د. محمد عمر أبوضيف
أثار التصريح الذي أطلقه الامام الأكبر في الفترة الأخيرة ، والمتعلق بإحياء فتوي (حق الكد والسعاية) ، ردود فعل واسعة جدا ، ورد الفعل هذا ليس بغريب علي تصريح للإمام الأكبر ،فكلامه يحمل من الثقل والقوة بثقل مركز الامام الأكبر شيخ الاسلام وإمام المسلمين في العالم ،وقد صار الناس أمام التصريح ثلاثة أصناف الأول وهو الغالب الأعم والسواد الأكبر من الناس مر عليهم الأمر مرور الكرام لأنهم مشغولون بحياتهم وظروف معاشهم ، كما أن عندهم ثقة كبيرة في الأزهر وشيخه ويظنون بكل ما يصدر عنهم الخير ومصلحة البلاد والعباد، والصنفان الباقيان هم الظاهران واللذان يتقاتلان من خلال وسائل الإعلام المختلفة (والسويشيال ميديا)، ويفسران كلام الإمام علي ما يريدون ثم يخترعون قضايا من خلف تفسيرهم ،ويدعي كل منهما أنه الذي يمتلك الصواب : وكل يدعي وصلا بليلي ... وليلي لا تقر لهم بذاك
صنف منهما من يتبنون الحديث عن حقوق المرأة وقضاياها ، وعندهم شطط كبير ، وغلو عظيم ، وتحيز خرج بهم عن دائرة الحق والصواب ، ووراءهم مؤسسات وجمعيات ، ويمتلكون صوتا عاليا في وسائل الإعلام ، ويسعون حثيثا لتطبيق (اتفاقية السيداو) ويسيرون خلف أياد خارجية، وقد ترتب علي سعيهم - من عقود- خراب كثير في الأسرة المصرية، وارتفاع كبير جدا في نسبة هدم الأسر بالطلاق، ومعهم بعض الذين يحملون رتبا علمية أزهرية ، يتصيد لهم من التراث ما يريدون، ويهاجم التراث إن كان فيه ما يخالفهم ،ويأتي لهم بتفسيرات لم يقل به أحد من العلماء المعتبرين من علماء الإسلام ، وهؤلاء قد أخذوا تصريح الإمام ، وفسروه بما يناسب أهواءهم، وقالوا :إن الإمام يقصد مقاسمة المرأة للرجل في ثروته وإن لم تكد وتسعي ، وجعلوا كل شيء في الحياة الزوجية بثمن، وأي شيء تقوم به المرأة في بيتها بسعر ، فطلبوا للمرأة نصف ثروة الرجل عند الطلاق؛ كما يصنع في بعض بلاد الغرب، وتناقضوا في ذلك تناقضا كبيرا -ليس هذا موضع بيانه- ، فحادوا عن أساس الأسرة المودة والرحمة والسكن ، وبالغوا في نفخ المرأة وتأليبها علي الرجل ، حتي غدت المرأة عدوا للرجل وخصما ، لا زوجة ، وحبيبة ، وشريكة عمر، وواحة ، وراحة ، وسكنا ، وحياة ، وحسنة الدنيا.
والصنف الثاني منهما، من اتخذ المرأة عدوا كالحا، وخصما لدودا ، وجنسا خبيثا مليئا بالمكر، وتفنن في وسمها بصفات الشر، وأراد أن يجردها من كل حسنة، ويمنع عنها ما منحها الإسلام من تكريم وتعظيم وتشريف واحترام ، ومعهم أيضا من ينسب للعلم، وجاء لهم بنصوص فسروها بهواهم، بتفسيرات فيها من الغلو والشطط ما فيها ، وعندهم جهل بالواقع ،وكيفية تنزيل النصوص عليه، ولم ينتبهوا لاختلاف الزمان والمكان والأحوال والعادات ، فحادوا أيضا عن الحق ، وجانبوا الصواب.
وكلا الفريقين لم يفهما ، تصريح فضيلة الإمام علي وجهه الصحيح ، فهوي كل فريق سيطر علي تفسيره ، فضل وأضل .
فالإمام يتحدث في هذا الفتوي عن أمر عام وليس المرأة وحدها ، بل كل شخص ساهم في تنمية ثروة ، فله - من باب الحق والشرع - نصيب فيما قام به ، وهذا ما قاله الدكتور عباس شومان في توضيحه لكلام فضيلة الإمام ، فليس المقصود أبدا الحياة الزوجية، وما فيها من معاملات بين الزوجين ، بل هي فتوي عن المعاملات المالية ، بين أي طرفين ، سواء أكان الطرفان زوجين ، أم والدا وولده، أم أخا وأخاه ،...إلخ، فأي شخص عمل عملا ، فله حصاد عمله وثمرته، وهو عين الصواب والعدل ، وإعطاء الحقوق لأهلها ، وإن كان العامل زوجة ، فلها ثمرة عملها المالي، بعيدا عن العلاقة الزوجية، وما تصنعه لخدمة بيتها وأولادها وزوجها بالمعروف، فهذا بعيد عن التسعير والتثمين ، ولا يدخل فيما قال به فضيلة الإمام ، والإمام لم يبتدع هذا القول ولم يأت به من عندياته ، بل له أصل من صحابة نبينا صلي الله عليه وسلم ، إذ قدمت حبيبة بنت زريق زوجة عامر بن الحارث، إلى سيدنا الفاروق عمر بن الخطاب، وهي نساجة طرازة ترقم الثياب والعمائم، بينما كان زوجها تاجرًا، وبعدما مات الزوج وترك أراضي ودورا وأموالا فأخذ ورثته مفاتيح المخازن ليقتسموا الورث؛ قامت عليهم حبيبة ونازعتهم لكون هذه الأموال بفضل (كدها وسعايتها) مع زوجها، فذهبت رفقة المتنازعين إلى الخليفة ابن الخطاب؛ ليحكم بينهم بالعدل. فقضى بينهما بالشركة نصفين فحكم لحبيبة بالنصف من جميع المال جزاء كدها وسعايتها، ثم بالربع من نصيب الزوج باعتبارها وارثة لأنه لم يترك ولدا. أجمعت المذاهب الفقهية الإسلامية، على (حق الكد والسعاية)؛ لا سيما المالكية والحنفية منهم؛ إذ عمل فقهاء المالكية على تأصيل حق الكد والسعاية أو (حق الشقا)، فالإمام مالك بن أنس وأصحابه –رحمهم الله- اتفقوا على أن كل امرأة ذات صنعة وسعاية مثل نسج وغزل ومحمل وغيرها شريكة في ثروة زوجها. ولا يقتصر (حق الكد والسعاية) على الزوجة؛ بل يشمل الأبناء والأقارب ، الذين ساهموا في تنمية واستثمار أموال الأسرة ، تطوعًا دون نصيب أو أجرة معلومة، فهؤلاء لهم الحق في الحصول علي (حق الكد والسعاية) عندما يطالبون به، بمقدار عملهم.
فكلام الشيخ بعيد عن هذه المعركة بين (النسوية) و(الفيمنست) والزاعمين المطالبة بحقوق المرأة ، وبين كارهيها وأعدائها والمطالبين بإخراجها من زمرة البشر، فالأمر لا يعدو إعطاء كل ذي حق حقه ، من كل الناس ومنهم المرأة ... والله أعلم