القائمة الرئيسية

الصفحات

المسيح عليه السلام رسول الله وكلمته :

 

مما تتسم به الشريعة الإسلامية أنها تدعو إلى الإيمان بأنبياء الله عليهم السلام جميعا ، بل تجعل التصديق بهم جزءًا لا يتجزأ من حقيقة الإيمان وماهيته . 

والأنبياء جميعا _ بالنسبة لها _موضع تقدير وإجلال ، دون مفاضلة أوتفريق: {لا نفرق بين أحد من رسله }. ( البقرة ٢٨٥).

  والمسيح أحد أنبياء الله عليهم السلام ، وقد وصفه القرآن الكريم بأعظم الصفات ، وأثنى على والدته مريم _ عليها السلام _ بأجل الثناء، بل إن القرآن الكريم سمَّى إحدى سوره باسم (مريم) وهي المرأة الوحيدة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم باسمها صراحةً.

  كما أفرد القرآن الكريم سورة أخرى لعائلتها المقدَّسة، هي (سورة آل عمران).

    وكثيرا ما يؤكد القرآن الكريم على عفّة مريم  وطهارتها واصطفاء الله عزوجل لها وتفضيلها على نساء العالمين. قال تعالى : {وَإِذْ قَالَتِ المَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ. يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ}. [آل عمران: ٤٢-٤٣].

وقال جل شأنه: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ} (الأنبياء ٩١).

 وقال عز من قائل:{ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ}. (التحريم١٢).

وقد وصفها القرآن الكريم بأنها صديقة:{ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ }. ( المائدة ٧٥).

   وكما أثنى القرآن الكريم على مريم عليها السلام_ أثنى على ابنها المسيح عليه السلام ، وقد ورد ذكره في القرآن الكريم الذي وصفه بأنه رسول الله وكلمته وروح منه: :{إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ }.( النساء ١٧١ ).

قال السلف من المفسرين: المسيح كلمة الله أي قوله "كن".  وقال الإمام أحمد: أي الكلمة التي ألقاها إلى مريم حين قال له: (كُن) فكان عيسى ب(كُن).

 ويشبه القرآن الكريم المسيح بآدم _ عليهما السلام _ يقول تعالى:{ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ }. (آل عمران: ٥٩).

وهذا يعني أنَّ المسيحَ عليه السلام الذي وُلِدَ من غيرِ أبٍ تكوَّنَ في رحم أمِّه فورَ صدور الأمر من الله بقوله “كُنْ”. كما أنه لم يكن لآدم عليه السلام أبٌ، لذلك بدأ بالتَّكَوُّن فورَ صدور كلمةِ الله له بقوله “كن”.

  فميلاد المسيح عليه السلام من غير أب كان معجزة كما كان خلق آدم عليه السلام من غير أبوين معجزة ، وقد نص القرآن على حكمة ميلاد المسيح بهذه الطريقة في جواب الروح الأمين جبريل عليه السلام لمريم حين استغربت وقوع الحمل لها، حيث قال في جوابها:{قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مقضيا}(مريم: ٢٢ )، فقوله: وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ_ فيه بيان هذه الحكمة.

قال ابن كثير:( أي: دلالة وعلامة للناس على قدرة بارئهم وخالقهم، الذي نوع في خلقهم، فخلق أباهم آدم من غير ذكر ولا أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق بقية الذرية من ذكر وأنثى، إلا عيسى فإنه أوجده من أنثى بلا ذكر، فتمت القسمة الرباعية الدالة على كمال قدرته وعظيم سلطانه فلا إله غيره ولا رب سواه). 

   وقال السعدي : ( آية للناس تدل على كمال قدرة الله تعالى، وعلى أن الأسباب جميعها لا تستقل بالتأثير، وإنما تأثيرها بتقدير الله، فيري عباده خرق العوائد في بعض الأسباب العادية لئلا يقفوا مع الأسباب ويقطعوا النظر عن مقدرها ومسببها).

   وزيادةً في التكريم لعيسى عليه السلام  يذكر القرآن الكريم معجزاته بالتفصيل مثل إبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى، والإنباء بالغيب، والكلام في المهد، والخَلْق من الطين كهيئة الطير والنفخ فيه ، وغيرذلك.

يقول تعالى:{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَىٰ وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا ۖ وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ ۖ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ۖ وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِي ۖ وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَٰذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّبِينٌ}. (المائدة ١١٠).

     والإيمان به عليه السلام جزء لا يتجزأ من إيمان المسلم ، ذلك الإيمان الذي يقوده إلى دخول الجنة.

   فعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ , وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ , وَأَنَّ عِيسَى  عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ , وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ  وَرُوحٌ مِنْهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ , وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ , أَدْخَلَهُ اللهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ  ".رواه البخارى.

   والمسلمون يؤمنون إيمانا تاما بكل ما جاء في حق المسيح عليه السلام في القرآن الكريم، وفيما ورد من أحاديث شريفة، ويُسَرّ المسلمون بهذا الثناء القرآني، وبذلك الهدي النبوي، ويتقربون به إلى الله -سبحانه- في صلواتهم، وخُطبهم.

  ولا عجب أن تكون للمسيح عليه السلام مكانة عالية، ومنزلة سامية في قلوب المسلمين، فهم يؤمنون بأنه من الخمسة أُولِي العزم من الرسل، وأنه صاحب رسالة سماوية، وأنه معجزة لبني إسرائيل على وجه الخصوص، وإلى العالم كله بصفة العموم. 

وقد عَرَضَ القرآنُ الكريم صوراً حية صادقة من قصة السيّد المسيح وحياته في العديدمن الآيات البينات ، حتى تكرَّر اسمه في القرآن الكريم ٣٨ مرة في صورٍ ومشاهد غاية في الروعة ، تُدهِش الأسماع، وتخطف الأبصار.

  لقد جاءت صورة المسيح وحياته في القرآن الكريم في أروع مشهد وأبهى صورة ، جاء موصوفا بآيات الثناء العطر من المولى عزوجل: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا. وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا. وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا. وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا. ذَلِكَ عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} .(مريم ٣٠ _ ٣٤).

  كما أثنى الله تعالى ثناءً جميلاً على أتباع المسيح عليه السلام من بعده،فقال : {وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً}. [الحديد:27].

    وصلى الله وسلم وبارك على نبينا الصادق الأمين ، وعلى جميع إخوانه من الأنبياء والمرسلين.

 والسلام على رسول الله عيسى بن مريم يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا .

       # عصمت رضوان # 

تعليقات

التنقل السريع