القائمة الرئيسية

الصفحات

عدد ضحايا حوادث السير يفوق قتلى الحروب في ليبيا

 

يفوق عدد القتلى على الطرقات العامة جراء حوادث السير في ليبيا كل عام خلال السنوات الماضية،  عدد الضحايا في ساحات الحروب والنزاعات المسلحة، وقد تبدو هذه المعلومة صادمة لكثيرين إلا أن هذا ما أكدته وزارة الصحة في حكومة الوحدة بطرابلس، التي كشفت عن أن ليبيا تتصدر قائمة الوفيات نتيجة الحوادث المرورية على مستوى العالم.

بيانات الوزارة التي كشفت عن أن السرعة الزائدة والطرق المتهالكة والسيارات المستوردة منتهية الصلاحية تفتك بالليبيين أكثر مما يفعل السلاح المنتشر في بلادهم، عززتها ثلاث حوادث مؤسفة وقعت خلال النصف الثاني من الشهر الماضي، وأودت بحياة ثلاث عائلات كاملة وفتحت باب الأسئلة عن أسباب ارتفاع نسبة الحوادث المرورية المميتة بهذا الشكل في ليبيا.

حصاد يومي للأرواح

وقالت وزارة الصحة في حكومة الوحدة الوطنية في سبتمبر (أيلول) الماضي، إن ليبيا تتصدر القائمة الدولية لوفيات حوادث المرور بنسبة 73.4 في المئة حالة وفاة لكل 100 ألف حالة وفاة. وتشهد طرقات ليبيا بشكل شبه يومي حوادث سير مميتة، بسبب حال الطرق المتهالكة وغياب القانون والانفلات الذي تعيشه البلاد منذ أكثر من عقد من الزمن، بحسب متابعين.

ولا تقتصر حوادث السير على المركبات الآلية وحسب، فكثير من المارة يتعرضون للإصابة أو الوفاة نتيجة دهسهم بسبب عدم التزام السائقين بقوانين السير وعدم التقيد بالسرعة المسموحة.

وعلى رغم أن عدم انتظام نشر الإحصاءات من طرف وزارة الداخلية في ليبيا يجعل من الصعب تتبع وتحليل الإحصاءات الرسمية لحوادث الطرق والإصابات الناتجة منها، إلا أن نظرة عشوائية على الإحصاءات التي نشرت تظهر حجم المأساة التي تشهدها طرقات ليبيا ولا ينتبه لها كثيرون.

أرقام مفزعة

ولم تنشر وزارة الداخلية الليبية إحصاءات موثقة عن ضحايا الحوادث المرورية خلال العام الماضي، أو حجم الأضرار المادية الناجمة عنها، بينما أظهرت إحصاءات رسمية نشرتها في بدايته أن الحوادث المرورية حصدت أرواح أكثر من 1761 مواطناً ليبياً من مختلف الأعمار خلال العام 2020 .

وحتى هذه الإحصاءات لم تشمل الشهر الأخير من ذلك العام، إذ أوضحت وزارة الداخلية في حكومة "الوفاق الوطني" وقتها أن "الإحصاءات تشمل الحوادث المرورية المسجلة بمديريات الأمن في مختلف المناطق خلال الفترة الزمنية الممتدة بين شهر يناير (كانون الأول) 2020 وبين نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه".

ووفقاً للإحصاءات فقد وقع خلال الفترة المشار إليها 4131 حادثة مرورية نتج منها 3275 إصابة، منها 1743 إصابة بليغة، في حين بلغ عدد المركبات المتضررة 6641 مركبة.

ونوهت الوزارة إلى أن "الأضرار المادية للحوادث المرورية لعام 2020 بلغت نحو 280 مليون دينار ليبي (58 مليون دولار)".

عينة عشوائية

وبأخذ عينة عشوائية من الإحصاءات الشهرية التي تنشرها مديريات الأمن في بعض المدن الليبية عن الحوادث المرورية خلال العام الحالي، يتضح أن نزف الأرواح بسبب هذه الظاهرة يزداد فداحة مع زيادة عدد السيارات وعدم تطوير الطرقات منذ أعوام عدة.

ففي شهر أغسطس (آب) الماضي نشر قسم المرور والتراخيص في بنغازي إحصاءات حوادث الطرق التي حصلت في المدينة خلال ذلك الشهر، وأوضح القسم أن "الحوادث القاتلة بلغت 24 حادثة أدت إلى وفاة 27 شخصاً، وأوقعت 24 حادثة إصابات بليغة وتضرر 41 شخصاً، فيما تعرض بين 18 و30 شخصاً إلى إصابات بسيطة".

وأضاف أن "الحوادث التي تسببت في تلف السيارات بلغت 46، وإجمال الحوادث خلال هذه المدة بلغ 112، وإجمال المركبات التالفة 219 مركبة، فيما بلغت القيمة المالية للمركبات التالفة قرابة 219 ألف دينار (45 ألف دولار)".

سنوات من نزف الأرواح

وهذه ليست المرة الأولى التي تصنف فيها ليبيا على رأس قائمة الوفيات بسبب الحوادث المرورية والتي تخضع لحساب عدد الضحايا بالربط مع التعداد السكاني ونسبتهم من التعداد العام للوفيات، إذ سبق لمنظمة الصحة العالمية أن وضعت ليبيا على رأس هذا التصنيف عامي 2017 و2018.

ويربط تقرير المنظمة للعام 2018 بين النسبة المرعبة للوفيات نتيجة حوادث السيارات في ليبيا، وعدم وجود أموال مخصصة في موازنة ليبيا لوضع استراتيجيات لأمان الطرق. وعلى مقياس 10 درجات حصلت ليبيا على درجتين فقط في مقياس تطبيق القانون في مجال الحد من السرعة الزائدة، ودرجة واحدة فقط في مقياس إلزام سائقي الدراجات العادية والنارية باستخدام الخوذات، كما يشير التقرير إلى عدم وجود معايير قياسية للمركبات.

وشهد العام 2015 تسجيل أعلى معدل للوفيات من حوادث السير في ليبيا خلال العقد الأخير بإجمال 4398 قتيلاً، وهو عدد يقارب قتلى انتفاضة فبراير (شباط) 2011، والتي شهدت معارك طاحنة لمدة ثمانية أشهر كاملة وسقط نتيجتها 8504 قتلى.

طريق الموت

وتشتهر بعض الطرق في ليبيا بأنها الأكثر حصداً لأرواح السائقين في البلاد لسنوات طويلة أكثر من غيرها، ومن بينها الطريق الرابط بين مدينتي أجدابيا والبريقة وسط البلاد والممتد مسافة 80 كيلومتراً والذي انتزع أرواح عائلتين كاملتين بسبب حادثتين مروعتين نهاية الشهر الماضي، أحزنا البلاد بأسرها.

ويقول الموظف في شركة "رأس لانوف" النفطية علي الشريف والذي يعبر هذا الطريق بشكل دوري للوصول إلى عمله لأنه من سكان مدينة بنغازي، إن "تكرر الحوادث المأسوية في هذا الطريق يرجع لأسباب عدة، منها أنها طريق فردية ضيقة فيها كثير من المنعطفات الخطرة، إضافة إلى أنها مظلمة بالكامل ليلاً بسبب عدم تزويدها بأعمدة كهربائية، ومما يزيد الطين بلة تهالك هذا الطريق القديم مع وجود كثير من الحفر فيه تفاجئ السائقين".

وأشار إلى أن "ما يفاقم حجم الأخطار في هذا الطريق المميت وجود كثير من قطعان الإبل التي ترعى على جانبيه، وأحياناً تقطعه بشكل مفاجئ خلال الليل، وتسببت في كوارث مرات كثيرة آخرها وفاة عائلة بكاملها قبل أيام قليلة نتيجة اصطدام سيارتهم بمجموعة من الجمال المارة في الطريق".

تعددت الأسباب والكارثة واحدة

ويقول عضو قسم المرور في بنغازي محمد الدرسي إن "أكثر الأسباب التي أدت إلى ارتفاع حوادث المرور في ليبيا هو انعدام الأمن المروري منذ عام 2011 في البلاد، وعدم الاهتمام باستخراج رخص القيادة عند بلوغ السن القانوني حتى أصبح كثير من الفتيان دون السن القانونية يقودون السيارات من دون أية تدريبات مسبقة في القيادة، فيتسببون في حوادث كارثية معرضين حياتهم وحياة غيرهم للخطر".

ونوه إلى أن "ليبيا بلد يعاني ضعف البنية التحتية السيئة في الطرق والشوارع وتحتاج إلى الحذر والانتباه في القيادة لا التهور والاستعجال، إضافة إلى استمرار استيراد سيارات معظمها متهالكة وقديمة بسبب عدم وجود رقابة على عمليات الاستيراد والبيع من دون فحص، وكذلك عدم تطبيق القانون على المخالفين وتدخل العرف كثيراً في حل نزاعات الحوادث المرورية التي تنتهي عادة بمسامحة المخالف لأسباب اجتماعية، ترى من العيب أخذ التعويض المادي والمعنوي في حوادث تحدث لأسباب قدرية".

تقليل عدد الحوادث

وفي محاولة من السلطات الليبية لتخفيف وتقليل عدد الحوادث ونزيف الأرواح على الطرقات العامة، تشهد عدة مدن ليبية خصوصا بنغازي وطرابلس وضواحيهما حملات مكثفة لإصلاح الطرق المتهالكة وتعبيد طرق جديدة شملت بعض المناطق الحيوية مثل شارع الاستقلال أطول شوارع بنغازي وطريق عين زارة وطريق المطار الحيويين في طرابلس، وبعض الطرق المؤدية إلى مدن الجنوب الليبي.

وفي شهر أغسطس  (آب) الماضي رفعت وزارة الاقتصاد في حكومة الوحدة الوطنية، أسعار التأمين السنوي للسيارات في ليبيا إلى أكثر من الضعف، بسبب الزيادة الكبيرة في عدد الحوادث في البلاد

وقال الأمين العام لاتحاد شركات التأمين، علي الرقيعي، في تصريحات صحافية، إن "التسعيرة القديمة زهيدة جداً ولا تتماشى مع الوقت الحاضر، فضلاً عن ارتفاع عدد الحوادث في ليبيا خلال السنوات الأخيرة، خاصة أن التعويضات التي يطلبها المواطنون في حوادث السير لا تتماشى مع التسعيرة السابقة".

وأضاف أن "الاتحاد قدم مشروعا آخر لحكومة الوحدة الوطنية بشأن التعويضات للمتوفى في حادث السير، بحيث تم تحديد تسعيرة واحدة بقيمة ألف دينار شهريا ( 200 دولار تقريباً) ".

author-img
صحفى يغطى الاخبار والاعلام

تعليقات

التنقل السريع