القائمة الرئيسية

الصفحات

العلاج الجيني.. عصر جديد من الآمال والأحلام والمخاوف (3-3) التشريعات الإماراتية تنظم «تكنولوجيا الجينات»

 

مع التقدم في علم الجينوم.. حصلنا على مشهد مختلف للرعاية الصحية، حيث بات في وسعنا المشاركة عملياً في فهم وتشكيل ملامحنا الصحية الشخصية.

ومع ذلك، فنحن نحتاج إلى الموازنة بين آفاق هذا العلم والتحديات التي تفرضها القيود التكنولوجية والمالية والأخلاقية والثقافية التي يخضع لها.

«الإمارات اليوم» تفتح ملف التطور في فهم هذا الحدث، وفهم وجهات النظر العامة حول تحرير الجينوم البشري واستشراف المستقبل فيه من خلال استطلاع آراء الخبراء والمختصين من الإمارات ودول عربية، إلى جانب استطلاع رأي أولياء أمور لديهم أطفال من ذوي الهمم، من خلال الاستناد على دراسة استقصائية إلكترونية لاستكشاف مواقف الناس تجاه تأثير تكنولوجيا الجينات عليهم وعلى مجتمعاتهم.

 خطت الإمارات خطوات كبيرة في إطار تطبيقات مشروع الجينوم الحديثة والعلاج الجيني المرتبط به.

ونجحت في علاج أكثر من شخص يحملون صفات جينية تسببت لهم في أمراض وراثية نادرة.

وحالياً، يتم تنظيم تكنولوجيا الجينات في الإمارات من خلال عدد من القوانين والممارسات، شملت:

أولاً: حظر عمليات الاستنساخ البشري وفق القانون الاتحادي رقم 10 لسنة 2008 في شأن المسؤولية الطبية، الذي حل محله القانون الاتحادي رقم (4) لسنة 2016.

وثانياً: تشريعات حول الأنسجة البشرية مثل إجازة عمليات نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية وفقاً لأحكام المرسوم بقانون اتحادي رقم (5) لسنة 2016، بشأن تنظيم نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية، ويسري هذه القانون على العمليات التي تتم داخل الدولة، أو في مناطقها الحرة.

وثالثاً: حظر عملية الاتجار بالأعضاء البشرية وفق القانون الاتحادي رقم (51) لسنة 2006 في شأن مكافحة الاتجار بالبشر، المعدل بالقانون الاتحادي رقم (1) لسنة 2015.

ويعتبر التنظيم القانوني للتدخلات الجينية على الأمشاج والأجنة في الإمارات صارماً بشكل مميز، بموجب التنظيم الجاري لمشروع الجينوم الإماراتي، ومختلف القرارات والسياسة المتعلقة في امتثال الدولة للقيم المقبولة عالمياً عموماً (مثل احترام الطبيعة، وحماية التنوع البيولوجي، أو حتى حماية كرامة الإنسان الموجود في الدستور الوطني وميثاق حقوق الإنسان)، جنباً إلى جنب مع المفاهيم المماثلة.

وتُعد الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والطب الحيوي (المعروفة على نطاق واسع باسم اتفاقية أوفييدو)، حالياً، الصك الوحيد للقانون الدولي، الذي ينظم مجال الطب الحديث.

وأشارت عضو المجلس الوطني الاتحادي، عائشة الملا، إلى أن تحرير جينوم الخلايا الجسدية يخضع حالياً في مختلف دول العالم للتنظيم ويوضع في إطار العلاجات الجينية، كمنتج طبي علاجي متقدم.

وأكدت أن صنع السياسة الاستباقية هو إثبات لإطار الحوكمة، وأن تأسيس استراتيجية وطنية للرعاية الصحية للجينوم يعد فرصة ممتازة للنظر في كيفية الاستفادة بشكل أفضل من الإمكانات الكبيرة لتحسين الصحة العامة والرعاية السريرية والذكية.

وأفادت المحامية نادية عبدالرزاق بأن «التكنولوجيات الحديثة وما تشمله من تطبيقات للذكاء الاصطناعي تشكل تحدياً قانونياً معاصراً بما تحمله من طفرات».

وأضافت أن «أي نشاط له تأثير على الإنسان وحياته يحتاج إلى إطار تشريعي ينظم عمله، ويحكم ما ينجم عنه من آثار، لذلك يواجه القانون بفروعه كلها حالياً العديد من التحديات التي تُنشئها التكنولوجيا الحديثة سواء في مجال العقود التي تنظم عمل تطبيقاتها أم في مجال المسؤولية بشقيها المدني والجنائي»، مشيرة إلى أن «تطبيقات التكنولوجيا أفرزت مجالات جديدة تتطلب تدخلاً قانونياً لحمايتها».

وشهدت القوانين الإماراتية نقلة نوعية كبيرة في الفترة الأخيرة، ففي الفضاء الرقمي تؤدي سهولة إعادة إنتاج وتعديل ونشر الأعمال الفكرية إلى اختلال عميق في حق الملكية الفكرية، وعليه صدر المرسوم بقانون رقم 38 لسنة 2021 بشأن حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، كذلك أصدر المشرع العديد من القوانين لتنظيم كل الإشكالات القانونية المترتبة على التطور التكنولوجي. ومنها، على سبيل المثال المرسوم بقانون اتحادي رقم 45 لسنة 2022 بشأن حماية البيانات الشخصية وغيرها.

التجربة الإماراتية أفرزت العديد من القصص لأسر مواطنة ومقيمة جربت العلاجات الجينية للتخلص من أمراض مستعصية، ووجدت فيها أملاً جديداً.

وقال والد طفلة كانت تعاني ضموراً في العضلات إن «العلاج الجيني لمساعدة ابنتي على الشفاء كان خياراً أخيراً بالنسبة لنا، بعد معاناة طويلة من تجربة العلاجات والأدوية من دون فائدة».

وأضاف أنه «في بعض الأحيان يكون اتخاذ القرار ضرورياً لتحقيق مصلحة صحية، على الرغم من وجود مخاوف من الآثار الجانبية لهذه النوعية من العلاجات الحديثة، ومن المحاذير الأخلاقية». وقال: «أي خيار طبي يؤدي إلى نتائج إيجابية ويحسن جودة حياة أطفالنا، هو خيار إيجابي».

وكانت الطفلة العراقية «لافين» من أولى الحالات التي خضعت للعلاج الجيني، لعلاجها من مرض ضمور العضلات الشوكي، حيث بدأت رحلتها العلاجية في مارس 2020.

وقالت أسرتها إن العلاج الذي حصلت عليه الطفلة بمكرمة من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وضع حداً لآلامها، خصوصاً أن مصابي هذا المرض عادة ما تتدهور حالتهم الصحية وتتعمق معاناتهم.

وقال الأب إن لافين حصلت على العلاج الجيني، وهي في عمر 19 شهراً، بعد أن كاد وأمها يفقدان الأمل في علاجها أو تحسن حالتها، واعتبر هذه الطفرة العلاجية بمثابة أمل للبشرية في علاج أمراض لم يسبق علاجها من قبل.

وفي قصة إنسانية ثالثة، يروي أحمد الإبراهيم، وهو والد لطفلتين مصابتين بمرض الضمور العضلي الفقاري الشوكي، أنه لم يتخيل أن يصبح الحلم واقعاً.

وشرح أن «الإمارات وفرت لابنتي منيرة العلاج الجيني الذي يُعد الأغلى في العالم لعلاجها، من المرض الذي يهدد حياتها».

وتابع: «لم تكن تجربة ابنتي الأولى في التعامل مع هذا المرض، فقد أصيبت به شقيقتها الكبرى شذى، وتمكن منها».

وذكر أن منيرة أصيبت بمرض الضمور العضلي الشوكي، منذ ولادتها، ما سبب لها عدم القدرة على الحركة نهائياً، وصعوبة في التنفس، وتسارعاً في نبضات قلبها، إلا أنها بعد حصولها على العلاج الجيني المتمثل في حقنة «Zolgensma» التي يبلغ سعرها نحو ثمانية ملايين درهم، بدأت في تحريك أجزاء من جسمها، مؤكداً أن التطور الملحوظ بدأ بعد أولى جلسات العلاج الطبيعي التي خضعت لها في أحد المراكز المتخصصة في أبوظبي، متمنياً أن تظل عملية التطور مستمرة في التدرج حتى الشفاء التام.

وطالب مواطنون ومقيمون في الدولة (سالم العامري، محمود عبدالرحمن، أحمد عبدالعظيم، الزهراء فتحي، ليلى جبار) الجهات الصحية بإخضاع الأمراض الجينية ضمن تغطية التأمين الصحي، لما تشكله من عبء مالي كبير.

وذكروا أن هذه الأمراض غير مشمولة بالتغطية التأمينية وتراوح أسعار أدويتها بين آلاف وملايين الدراهم.

وقالت (مدربة مجتمعية) خديجة الطنيجي، إنه «من المهم تثقيف الجمهور وإشراكه في المناقشات حول العلاج الجيني وفحوصه، والتحرير الجيني، وكذلك أخلاقيات وحوكمة تحرير الجينوم البشري المتوارث، ليكتسب أفراد المجتمع المعلومات الضرورية حول المخاطر والفوائد المتعلقة بتلك التقنيات».

وطالبت بأن تدرج هذه المعلومات في النقاشات المتعلقة بالمعايير المقبولة.

وتابعت: «يجب أن ندرك أن التحرير الجيني له القدرة على التأثير في التراث الجيني الذي يشترك فيه البشر جميعاً».

وقالت: «يجب ألا يكون العلماء وحدهم المسؤولين عن اتخاذ القرارات المتعلقة بالسماح أو عدم السماح بهذه التقنيات».

وشددت الطنيجي على ضرورة أن نتيح الفرصة لوضع إطار عمل تنظيمي للتحرير الجيني على الأجندة السياسية من خلال إشراك الناس في النقاش حول هذا الموضوع بواسطة وسائل مختلفة مثل وسائل الإعلام وحلقات النقاش وورش العمل. ودعت إلى إجراء استفتاء عام لجمع الآراء ومعرفة الاهتمامات والأفكار حول كيف يمكن لتقنية تحرير الجينوم البشري أن تحسن جودة حياتهم. وخلاصة القول، الجينوم البشري ينتمي إلينا جميعاً من الناحية المعنوية، ولذا ينبغي أن يكون لنا جميعاً صوت في قرار ما إذا كان يجب أم لا المضي قدماً في تحرير الجينوم الوراثي.

أما مدير قسم التميز والريادة في بلدية دبي محمد أحمد اللوز فأكد أنه يمكن الأخذ بذلك طالما له تأثير إيجابي ويسهم في تحسين صحة الإنسان والتغلب على نوعية الأمراض المعقدة.

وقال: «هناك نقطة مهمة هي أن طرق التقييم التشاركي للتكنولوجيا عموماً تهدف إلى دمج الرؤية العامة في عمليات الحوكمة وصنع القرار، ما قد يسهم في إيجاد حلول مقبولة اجتماعياً في المجالات التي يزيد فيها التطور التكنولوجي من التعقيد وعدم اليقين من العواقب المستقبلية».

وبينت نادية الشايع، الخبيرة في التميز الحكومي، أنه «من أجل أن تكون المشاركة العامة فعالة، يجب أن ترتبط بطريقة ما، حتى ولو غير رسمية، بعمليات صنع القرار. وتقدم فرنسا نموذجاً واحداً لهذا النوع من الجهد، فكل خمس سنوات، أو كلما تم اقتراح تعديلات على قانون أخلاقيات البيولوجيا لعام 1994، الذي ينظم قضايا العلوم والتكنولوجيا ذات الصلة من الناحية الأخلاقية، يتم تنظيم مئات الأنشطة في جميع أنحاء البلاد للحصول على وجهات نظر عامة حول القضايا المشحونة أخلاقياً في العلوم والتكنولوجيا، ثم تقوم اللجنة الاستشارية الوطنية للأخلاقيات (اللجنة الاستشارية الوطنية للأخلاقيات) بإعداد تقرير لتلخيص نتائج المشاورات العامة. وتوصي عند الحاجة بتشريع لمعالجة الاهتمامات العامة، ويتم إرسال هذا التقرير مباشرة إلى المكتب البرلماني الفرنسي للتقييم العلمي والتكنولوجي لتقديمه للمناقشة البرلمانية».

وتابعت: «يضمن هذا النموذج أن تظل الأحكام التنظيمية حول التقنيات المثيرة للجدل والمتطورة باستمرار مؤقتة، وخاضعة للتدقيق العام، وقابلة للتكيف، والاستجابة لاهتمامات المواطنين». وتابعت أن «الحوكمة الجماعية تساعد على الاستجابة للطلب المتزايد على المشاركة العامة واتخاذ القرار بشأن القضايا ذات الأهمية لمستقبل البشرية»، لافتة إلى أهمية المساعدة في تحفيز حوار ونقاش قويين حول مستقبل تحرير الجينوم والأدوار التآزرية التي يمكن أن يلعبها القانون والعلوم والسياسة العامة في تعزيز أو إعاقة استخدامات محددة للتكنولوجيا.

■ «تأسيس استراتيجية وطنية للرعاية الصحية التي يتيحها علم الجينوم يمثل فرصة للاستفادة من إمكاناته الكبيرة».

• «المشرع الإماراتي أصدر العديد من القوانين لتنظيم الإشكالات القانونية المترتبة على التطور التكنولوجي».

• «تطبيقات التكنولوجيا أفرزت مجالات جديدة تتطلب تدخلاً قانونياً لحمايتها».

• «التحرير الجيني له القدرة على التأثير في التراث الجيني الذي يشترك فيه البشر جميعاً».


استطلاع لـ «الإمارات اليوم»

أجرت «الإمارات اليوم» دراسة استقصائية في الفترة من 21 حتى 27 مايو الجاري عبر نشر استبيان على موقعها الإلكتروني حول تأثير تكنولوجيا تعديل الجينوم في تحسين صحة الإنسان بمشاركة عينة عشوائية، قوامها 82 مشاركاً لتحري موقفهم تجاه مشروع الجينوم، والتعديل الجيني البشري. وهدفت أسئلة الاستطلاع إلى استكشاف مدى معرفة الناس بهذا العلم وأدواته وتطبيقاته، ومدى استعدادهم للمشاركة في تجربة علاجات جينية تتعلق بتحرير الجينوم، فضلاً عن رؤيتهم للأثر العام الذي تعكسه مثل هذه العلاجات الثورية. وأظهرت النتائج أن قلة من أفراد المجتمع (22%) لم تتعرف إلى تعديل الجينوم البشري، بينما قال أغلبية المشاركين في الاستبيان (78%) إنهم قرأوا أو سمعوا عن تعديل الجينوم البشري.

وعزا هؤلاء السبب في ذلك إلى بيئة التواصل الاجتماعي، والتقدم التقني في الإمارات على وجه الخصوص، إذ سهل تبادل المعلومات بين أفراد المجتمع.

وبينت الدراسة أن 73% من المشاركين على معرفة بأن لدى دولة الإمارات برنامج جينوم بشري، في مقابل 26% لم يكونوا يعلمون.

وبلغت نسبة الموافقين على مساهمة تعديل الجينوم البشري في إنقاذ حياة الأطفال من ذوي الأمراض الوراثية والنادرة 91.5%، عازين ذلك إلى الخدمات الكبيرة المقدمة لمثل هذه الفئات التي تعاني أمراضاً معقدة.

في المقابل، بلغت نسبة حالات الرفض 8.5%.

وقد عزا هؤلاء موقفهم إلى الخوف من آثار مستقبلية للأجيال اللاحقة بالدرجة الأولى، وإلى مخاوف تتعلق بالأخلاق بالدرجة الثانية، وأسباب دينية بالدرجة الثالثة.

وحول الأثر الذي يعكسه التعديل الجيني البشري، فإن أغلبية المشاركين في الاستبيان ونسبتهم 52.4% ينظرون إلى التعديل على أنه سلاح ذو حدين، فتارة يكون «أثره إيجابياً» في تحسين جودة الحياة، وتارة أخرى يرون أنه «يحدث أثراً عكسياً» على جودة الحياة.

وبلغ من يرون بشكل قطعي أن هذه التقنية ستحدث أثراً إيجابياً في تحسين جودة الحياة ما يعادل 45.1%.


مقترحات

•  تطوير القوانين واللوائح والمبادئ التوجيهية اللازمة والعملية لطب الجينوم وأدواته وتطبيقاته.

• تنفيذ تحرير الجينوم البشري، مثل أي تدخل طبي آخر، وفقاً للأدلة والدراسات البحثية المناسبة والمعتمدة أخلاقياً.

• الدعوة لتطوير قوانين ولوائح مناسبة وسياسات وطنية وأطر تنظيمية قوية وقابلة للتنفيذ لتحرير الجينوم وفقاً للقواعد والمعايير الدولية والوطنية.

• تثقيف أفراد المجتمع على الأطر الأخلاقية الدولية والمحلية التي تنظم الجينوم.

• إنشاء هيئة إشراف ومراقبة تحت مظلة الأمم المتحدة لكل ما يخص أبحاث علوم الجينوم خصوصاً التعديل الجيني والهندسة الوراثية البشرية، وأن تكون هذه الهيئة ذات صلاحيات دولية محددة ومعروفة لمراقبة أية انتهاكات بهذا المجال الحساس جداً.

• وضع إطار تعاون عربي مشترك مهمته الرئيسة التركيز على أهم احتياجاتنا المختلفة في هذا المجال.

• إنشاء مركز محلي أو عربي تنسيقي يتولى مناقشة الموضوعات الجدلية في مجال العلوم والطب الحيوي والتكنولوجيا.

• يجب على شركات التأمين ألا تطلب الاختبارات الجينية.

• زيادة إنشاء المعاهد الرئيسة للأبحاث الجينية.

• إنشاء تخصصات في الطب الحيوي ومجالاته.

• توفير قاعدة بيانات عربية لمشاريع الجينوم.

author-img
صحفى يغطى الاخبار والاعلام

تعليقات

التنقل السريع