ماذا فعل الشريف حسين حين علم باتفاقية سايكس بيكو ؟ شيء لا يصدّق !!


 في أواخر عام 1915 ، بدأت بريطانيا وفرنسا مفاوضات سرية حول تقسيم أراضي الدولة العثمانية في حال انتصار الحلفاء في الحـ ــرب العالمية الأولى. وبعد فترة قصيرة، أُدخلت روسيا القيصرية في المفاوضات، حيث وافقت روسيا على الاتفاق بشرط الحصول على القسطنطينية ومضائق البوسفور وأجزاء من الأناضول . وفي مايو 1916 ، تم توقيع الاتفاقية التي نصّت على تقسيم بلاد الشام والعراق بين بريطانيا وفرنسا، مع وضع فلسطين تحت إدارة دولية ، وهو تمهيد واضح لما سيُعرف لاحقًا بـوعد بلفور .


انهيار روسيا وكشف الأسرار :

لكن لم يكن أحد يتوقع أن تنقلب الأمور رأسًا على عقب. ففي 1917 ، اندلعت الثورة البلشفية التي أطاحت بالقيصر الروسي وأتت بالشـ ـيوعـ ـيين إلى الحكم بقيادة فلاديمير لينين . وبمجرد استيلائهم على السلطة، قام وزير الخارجية السوفييتي ليون تروتسكي بالبحث في أرشيف وزارة الخارجية القيصرية، حيث عثر على نص اتفاقية سايكس بيكو . ومن أجل فـ ـضح تآمر القوى الاستعمارية ضد الشعوب المستعمَرة ، قرر البلاشفة نشر الوثيقة كاملة .


وهكذا، في 23 نوفمبر 1917 ، نشرت صحيفة "برافدا" الروسية النص الكامل للاتفاقية السرية ، وسرعان ما نقلتها الصحف الأوروبية، بما في ذلك "مانشستر جارديان" البريطانية، مما تسبب في إحراج شديد للحكومتين البريطانية والفرنسية أمام حلفائهم من العرب الذين وعدتهم بالإستقلال ....


بعد نشر الاتفاقية، سرعان ما وصلت تفاصيلها إلى العثمانيين عن طريق ألمانيا والنمسا-المجر، اللتين كانتا حليفتين للدولة العثمانية في الحـ ــرب. وكان العثمانيون قد اشتبهوا منذ فترة طويلة في وجود مؤامرة بريطانية-فرنسية لتـ ـمـ ــزيق أراضيهم، لكنهم لم يمتلكوا دليلًا رسميًا حتى كشفت روسيا البلشفية الوثائق السرية.


عندما علم جمال باشا، قائد الجيش العثماني الرابع المرابط بالشام ، بهذه التفاصيل، قرر محاولة تحذير العرب للمرة الأخيرة، فأرسل في 26 نوفمبر 1917، رسالة إلى الأمير فيصل بن الحسين، يخبره بتفاصيل ما نشره الروس في الصحف العالمية و يفضح اتفاقية سايكس بيكو و كل ما عرفه عن تقسيم فلسطين، وسوريا، والعراق بين بريطانيا وفرنسا، ويطلب منه إعادة النظر في تحالفه مع الإنجليز .


مما وجاء في الرسالة:

> "إننا اليوم نعيش أكثر الصفحات غموضًا وشكوكًا في تاريخ الإسلام، إن الحكومة العثمانية دخلت الحـ ـرب مصممة على وضع حد لمـ ـذلة الإسلام، وعلى العيش بعز واستقلال، أو المـ ــوت بشرف... ولكن أي نوع من الاستقلال يمكنكم أن تتصوروا لحكومة عربية تقوم بعد تدويل فـ ـلسـ ـطين، ووضع سوريا تحت السيطرة الفرنسية تمامًا، وجعل العراق بأسره جزءًا من الممتلكات البريطانية؟"


لكن كيف ردّ الشريف حسين على انكشاف المؤامرة؟


عندما وصلت أخبار اتفاقية سايكس بيكو إلى الشريف حسين عن طريق جمال باشا ، لم يصدّق في البداية. وبعث برسالة إلى المعتمد البريطاني في مصر والسودان ، يستفسر فيها عن صحة المعلومات. فجاءه الردّ من اللورد بلفور ، الذي أنكر وجود أي اتفاقية، مدعيًا أن هذا مجرد تلفيق عثماني بلشفي روسي لإثارة الفتنة بين العرب والحلفاء ، فقرر الشريف حسين تصديق الإنجليز بكل بساطة


ويصف المؤرخ محمد علي أحمد موقف الشريف حسين قائلًا:


*"ومرة جديدة، تضاف إلى ما سبق من مسلسل تصديقات الشريف حسين للإنجليز، يقف مصدقًا لهم، وجازت هذه التبريرات المضللة عليه، واستمر مستسلمًا للسياسة البريطانية ونفاقها."*


أما ردّ الشريف حسين الرسمي على جمال باشا، فجاء عبر الأمير فيصل ، وكان كالتالي:


"ليس بين العرب والترك إلا السيـ ـف، حتى تضع الحـ ـرب أوزارها، ويخرجوا من بلاد العرب."


ورغم كل الإنكار البريطاني، جاءت الأحداث على الأرض لتثبت صدق التحذيرات العثمانية . ففي ديسمبر 1917 ، سقـ ـطت القدس في يد البريطانيين ، وبعد انتهاء الحـ ــرب في 1918 ، بدأ تنفيذ سايكس بيكو ووعد بلفور ، حيث وُضعت فـ ـلـ ـسطين تحت الانتداب البريطاني، وسوريا تحت السيطرة الفرنسية، والعراق في قبضة بريطانيا.


أدرك العرب بعد فوات الأوان أنهم خدعوا ، و أنهم كانوا وقودًا لمـ ـؤامرة استعمارية كبرى ، وأن البريطانيين لم يكونوا سوى مخـ ـادعين كبار لا ميثاق لهم ...


وفي النهاية، وكما قال الشيخ محمد الغزالي :


> "ليس من الضروري أن تكون عمـ ـيلًا لتخدم عدوك... يكفيك أن تكون غبـ ـيًا!" 

تعليقات