الدعم السريع يسيطر على دارفور ويقسم السودان.. الإمارات تتلاعب بالأمن القومي المصري

 

تمكنت ميليشيا الدعم السريع من اقتحام مقر قيادة الفرقة السادسة للجيش السوداني في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور.

- نجحت ميليشيا الدعم السريع منذ إطلاقها للحرب الأهلية في السودان في أبريل 2023 في السيطرة على جميع ولايات إقليم دارفور الخمسة عدا عاصمة ولاية شمال السودان المتمثلة في الفاشر، بجانب سيطرة الميليشيا على ولايات إقليم كردفان جنوب غرب البلاد والي بتمتاز بثرواتها النفطية.

- في المقابل تمكن الجيش السوداني في مطلع العام 2024 من استعادة زمام المبادرة والسيطرة على العاصمة السودانية الخرطوم وطرد الميليشيا من ولايات الجزيرة وود مدني في وسط البلاد.

- قام الدعم السريع خلال حملته لاحتلال أقاليم السودان بمجموعة من أشنع جرائم الحرب كالاغتصاب العلني للنساء، والقتل الجماعي لسكان القرى المتمردة في وسط السودان، وللسكان من غير الأصول العربية في إقليم دارفور.

- بعد حصار استمر لما يقارب عامين ارتكبت خلاله الميليشيا الممولة إماراتيا مجموعة من جرائم الحرب الشنيعة ضد السكان المدنيين المحاصرين في مدينة الفاشر، سقط الإقليم أخيرا في يد الميليشيا.

- بسقوط الفاشر في يد الميليشيا، يكون السودان قد خضع فعليا للتقسيم بين غرب تسيطر عليه الميليشيا المدعومة إماراتيا، وشرق يسيطر عليه الجيش السوداني.

ما علاقة ما يجري بمصر؟

- منذ اندلاع الحرب الأهلية في السودان بتمرد ميليشيا الدعم السريع ورفضها الاندماج في الجيش السوداني، انقسم الموقف الإقليمي بين دعم إماراتي غير محدود لميليشيا الدعم السريع عبر نقل الأسلحة والأموال والمرتزقة من تشاد وأفريقيا الوسطى إلى السودان، ودعم مصري في المقابل للجيش السوداني.

- الدعم المصري للجيش السوداني اتسم بمحدوديته لسببين الأول هو القيود الدولية اللي التزمت بها مصر على تسليح أطراف الصراع بما في ذلك الجيش، والثاني هو العلاقة المصرية الإماراتية الملتبسة، حيث تقدم الإمارات الدعم المالي لمصر في نفس الوقت الذي ترى فيه مصر إن ميليشيا الدعم السريع تشكل تهديدا استراتيجيا لها.

- ليه مصر بتشوف في الميليشيا السودانية تهديد لها؟ أولا لأن مصر ترى إن استقرار السودان رهين باستقرار شرعية الدولة السودانية ومؤسساتها، وليس بسيطرة أي ميليشيا، واستقرار السودان ضرروي للأمن القومي المصري في ظل امتداد الحدود بين مصر والسودان.

- ثانيا، لأن الجيش السوداني يتبنى رؤية استراتيجية في ملف النيل تتسق مع الرؤية المصرية، وجرى التنسيق لذلك منذ ما قبل سقوط البشير، واستمر بعد ذلك رغم قيام الثورة السودانية.

- تعمدت ميليشيا الدعم السريع التحرش بمصر مرارا، وبدأ ذلك باحتجاز الجنود المصريين الموجودين بشكل رسمي للمناورات المشتركة في قاعدة مروي الجوية شمال السودان في أول أيام اندلاع الحرب الأهلية، وتدمير طائرتين ميج مصريتين كانوا ضمن الطائرات المصرية في القاعدة.

- تبع ذلك مقتل الدبلوماسي المصري محمد حسين الغراوي في الخرطوم بعد أسبوع من اندلاع الحرب الأهلية.

- في الصيف الماضي كتبنا كمان عن انتهاك الميليشيا السودانية للأراضي المصرية في إطار تعاونها مع كتائب سلفية موالية للإمارات تنتمي لمجموعة الجيش الوطني الليبي اللي بيقودها خليفة حفتر جنوب غرب ليبيا.

- وقتها بدأت مساعي من الدولة المصرية لقطع الطريق على الميليشيا عبر مصالحة بين مجموعة خليفة حفتر والجيش السوداني بلقاءات في العلمين، لكن فشلت هذه المساعي في النهاية.

- خلال الأسبوع الماضي، ظهر حميدتي مهددا باعتبار البلدان المجاورة اللي بتنطلق منها طائرات لاستهداف الدعم السريع أهداف مشروعة للميليشيا، فيما اعتبر وقتها تهديد واضح لمصر.

ما الذي جد مؤخرا؟

- مؤخرا، بدأ تدخل الإدارة الأمريكية في الملف السوداني من خلال المبعوث الأمريكي مسعد بولس الي استقبل وفدين من الجيش السوداني والدعم السريع خلال الأيام الماضية، بجانب عقد لقاء للرباعية الدولية الي بتضم الولايات المتحدة ومصر والسعودية والإمارات لبحث الملف السوداني.

- الرباعية اقترحت هدنة لمدة 3 أشهر تليها فترة انتقالية مدتها 9 أشهر، ما يعني عمليا القبول بمشاركة الدعم السريع على قدم المساواة مع الجيش السوداني في تجسيد السيادة السودانية، وهو ما مثل خسارة دبلوماسية للجيش السوداني.

- لكن من الواضح كذلك إن الدعم السريع أراد سباق الوقت بالسيطرة على الفاشر عبر تشديد الحصار وتجويع المدنيين لإسقاط المدينة وتأمين سيطرته على شطر السودان الغربي كضمانة لمشاركته على قدم المساواة في أي خطط مستقبلية في السودان.

- من الواضح إن الإدارة الأمريكية الحالية تخضع للأموال الإماراتية في هذا الملف، حيث سبق وأعلنت الخزانة الأمريكية بعد أسبوع واحد فقط من دخول ترامب للبيت الأبيض فرض عقوبات على قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان بحجة شن هجمات ضد المدنيين، في نفس الوقت الي بتقوم فيه ميليشيا الدعم السريع ببث مقاطع للقتل والاغتصاب دون رادع.

- تبع ذلك في منتصف سبتمبر الماضي فرض عقوبات على وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم وعلى ميليشيا كتيبة البراء بن مالك الموالية للجيش، بحجة زعزعة استقرار البلاد، بما عبر بوضوح عن انحياز الولايات المتحدة للموقف الإماراتي والدعم السريع.

أجراس إنذار

- سقوط الفاشر واحتلال الدعم السريع لشطر السودان هو خسارة مصرية كبيرة على المستوى الدبلوماسي والأمني بلا شك، ما يستدعي التأمل والتفكير العميق في أسباب هذه الخسارة.

- هذا التفكير يقود بوضوح إلى جذر واضح للأزمة هو خطورة العلاقات مع حكومة الإمارات صاحبة السلوك المزعزع لاستقرار المنطقة كلها والمتسم بتشجيع جرائم الحرب والميليشيات الدموية والتحالف المطلق مع إسرائيل.

- منذ 2013، تقاربت الدولة المصرية مع الإمارات على خلفية العداء المشترك للإخوان المسلمين، ثم تحول هذا التقارب إلى اعتماد مالي ضخم من الدولة المصرية على الدعم والديون الإماراتية وبيع الأصول المصرية للإمارات.

- العداء المشترك للإخوان المسلمين والاستثمارات الإماراتية لا ينبغي أن يكونوا حصان طروادة الي تنفذ منهم الحكومة الإماراتية الموالية لإسرائيل والمشجعة للسياسات المافيوية إلى قلب مصر وتهدد أمنها.

- نتمنى بالتالي مراجعة سريعة لهذه السياسات الخطيرة وتخفيض مستوى التعاون مع هذه الحكومة الإماراتية المريبة الي بتتحول بمرور الوقت إلى تهديد لكل شعوب المنطقة.

- لا يجب أن ننسى في هذا الإطار اعتراف العميل الإسرائيلي في قطاع غزة حسام الأسطل إن ميليشياته هو وياسر أبو شباب وغيرهم تتلقى التسليح من إسرائيل والتمويل من دولة عربية، هي غالبا الإمارات، للسيطرة على قطاع غزة، ما يمثل خطوة جديدة في تطويق مصر وإزالة أي حواجز جغرافية أو بشرية تحميها من التهديدات الوجودية على حدودها الشرقية أو الجنوبية.

تعليقات